الاثنين، 7 أبريل 2008

ذاكرة شجرة

في كل صباح, ولفترة طويلة, كانت هذه الشجرة المواجهة لنافذته هي أول ما يرى, هو لا يعرف أنواع الأشجار ولا يرى بهذه تحديدا سببا محددا لتختلف عن غيرها, غير أنها إحتفظت بشيء غريب يذكره بفتاة لم يعرفها إلاّ لوقت قصير. شيء ما في حركة هذه الأوراق, وإهتزاز هذه الأغصان, يذكره -بلا سبب واضح- بأهدابها, بحاجبيْها, بنظرة الإرهاق في عينيْها.. وعندما كانت تهتزّ تحت المطر كان يرى شعرها المبتلّ, ورغمًا عن الأمطار كان يرى ثغرها مبتسمًا, كالشمس.

قبل ثلاثة أشهر بالتحديد قام الحيّ بتقليم هذه الشجرة, وقطع الكثير من أغصانها. خشي أن يفتقدها كثيرا, لكن عندما أورقت الأغصان وعادت إلى ما كانت عليه, لم يعد يرى فيها شيئا مختلفا, مجرّد أوراق خضراء يهزّها الهواء يمينا ويسارا, كيفما اتفق.

غريب؛ كيف أصبحت ممحاةُ النسيانِ جيّدة هذا الحد؟

الثلاثاء، 18 مارس 2008

ونغرق صمتا

كانت خلفي. كنتُ أركض منها, لا أتبيّن ملامحها, لكنني لا أريدها, لا أعرفها, لا أريد خيرَها أو شرّها, أنظر للأفق الممتدّ أمامي, أتخيّل أنني كالبراق: أصل لأبعد نقطة تراها عيني بمجرّد أن أفعل. أصلُ, أصعد إلى بناية بعينها, أختبيءُ لديكِ..

أبكي, لا تفهمينَ شيئا. وجودكِ يُلغي مخاوفي, يزيدني طمأنينة, لم لا تبقين دوما؟ أبكي أكثر لأني أحبكِ, لا أخبركِ, لا أستطيع حتى أن أقبل جبينكِ, أن أجفّف دموع جزعة عليّ.

يحتضنني الصغير, يربّت عليّ, يسألني برفق: ما بك؟ بهدوء أقبّل كتفه فرأسهُ, أخبره أن يعتني بكِ كثيرا.. 

وتصعد عينايَ بالأسئلةِ إلى وجهكِ, لماذا سواد الليل حالك هكذا؟ لماذا أنتِ جميلة هكذا؟ لماذا تتحمّلين رجلا بهذا الحزن؟

الأحد، 2 مارس 2008

أوقات عصيبة

مساءٌ بلون المناديل المبتلّة, يا رفيقي‘’؛

إهدَأ. لو أردت نصيحتي فهي أن تهتم لأجلك أكثر, أنت تحتاج إلى رعايتك, على الأقل خلال هذه المرحلة الأكثر حرجا. لن تكون أنانيّا أبدا لوْ مارَسْت حقك الطبيعي في إختيار ما تشاء, ورفض ما تشاء: سعادتك تكمن في إختيارك, سعادتهم تكمن في إختيارهم, لست مسؤولاً عن تحقيق الأمريْن!

لماذا تؤذيك أشياء كهذه إلى هذا الحدّ؟ أليسَ الرجال متهمون بالبلادة دائمًا؟ كن “رجلاً” إذن.


( بدون ):

ألمْ تفعل ما توجّب عليك فعله, وأكثر؟ ألمْ تحدّث نفسك كثيرًا عمّن يستحق ومن لا يستحقّ؟ ألم تحبّ بعمق وتكره بعمق؟ لا تحاول إذن إثارة الأمر حتى, ليس مادة للنقاش, ولن تسمع من نفسك ما يعجبها, هذا ملف أهنِّئك على إغلاقه, بإحكام.


( أ َ):

كان لك شيء من الذنب لتحمله, لكن سيظلّ الأمرُ قدريّ بحْت, لمْ تبدأهُ وإنْ أنهيْتَهُ, ليسَتْ أعذارًا, ولكِنَها ببسَاطة ما حدَث, هوِّن على نفسك, فلا يمكنك حتى توقّع النهايَة, لا يمكنك بالفعل..

لو خرجت من القوسيْن, ستشعر بتحسُّن.


( أ ِ):

من يتهمُكَ أصلاً؟ سأودّ سماع عريضة الدعوى بحقّ, إذ لا أرى ذنبًا لك على الإطلاق. قد بدا الأمر مثاليّا في بعض جوانبه, لدرجة صدقتها أنت, إلاّ أن هناك جوانبا منقوصَة, بشدّة, وأنتَ لا تحتمل التفكير بالمستقبل, أنت قلق جدّا لأجله, ولن ترضى بحدوث هذا أبدًا.


(أ ُ): 

أعلم.. تمنيْتَ كثيرًا لو إستطعْت مجرّد التفكير في الأمْر, لكنّ الطريق أكثر تعقيدًا وصعوبةً من ذلك, عن الفهْمِ والتَجْرِبةِ والصدقِ والسفرِ أتحدَّث, عمّا لم يكن من المفترض أن تعرف, عن أشياء مهما تمنيت أن تبقى كما هيَّ, لا تفعل.

الجمعة، 15 فبراير 2008

حينما تحبّ

وهكذا.. ستكتشف أبعادا جديدة, وستتعدّى مشاعرك أرقامها القياسيّة كلها, عندما تضعها بغير إرادة في مكانة مختلفة. ستنظر إلى كل أشيائها البسيطة, ستتابعها بشغف حقيقيّ لساعات تطول: كيف تنظر إلى من حولها؟ كيف صامتة تتابع حديث هذا, أو تبتسم بلطف عقب ضحكات تلك؟ كيف تتكلم بثقة؟, كيف تتلعثم, ثم تضحك ناظرة إليكَ دونهم “لا تسخر مني.. إياكَ!”.

ستتمنى لو إستطعت, ولوّ للحظات, الإقتراب منها أكثر, لو شاركتها عقلها, قلبها, الأفكار والإنطباعات نفسها.

ستحبّ أن تشاركها حياتها, أن ترقصا فرحا, أن تحتاج للبكاء فتحتضنها, ستسمع كثيرا منها حكايات الطفولة, اللهو مع بنات الخالة وصديقات المدرسة, وستذكر حكاياها أكثر منها. 

ستكره لأجلها الرجال, وتقنع بكونكَ لديها إستثناء.

ستتمنى لو رزقت صوتا جميلا فتغني لها وحدها, أو ترسمها بألوان الماء والرصاص, أو تتعلم لأجلها الشعر والكتابة. وستكفيها منك أمنياتك, ستكفيها تماما.

الأحد، 3 فبراير 2008

أرضيّ

قدميّ على الأرض, ملتصقتان تماما, والأرض قريبة جدّا, أشعر أكثر من أيّ وقتٍ مضى أني أنتمي إليها, أن وراء هذا الأسفلت الأصم أشياء تناديني كلما مررت, توازن حركتي التقليديّة عليها, تثبّتني بعناية فوقها.

السماء بعيدة, جدّا, تتخللها سحبٌ بيضاء, هي أقرب إليّ منها إلى السماء, لكنني أتجاهل ما تعلّمت, ولا أراها إلاّ طافية على سطح أزرق يمتد فوقي بلا نهاية, فأُكسِبُها بعدا إضافيا. لو صعدت إلى سطح منزل جيراني العالي, وقلبت دلوا ووقفت فوقه, أو فوق ثلاجتهم القديمة, ثم قفزت.. لن أمسّ أيّ منها, كيف تكون قريبة؟

بينما قدميّ كما كانتا, إشتدّ الهواء قليلا, وقفت, خشيت أن أتحرّكَ فيأخُذَني بعيدا إذ تفقد إحدى قدميّ موضعها. أقول: خشيتُ, لكنني تمنيت.

الجمعة، 25 يناير 2008

لستِ.. لسنا..

لستِ من أهوى, لكنكِ ستجتازين كل هذا.. كل هذه المعادلات الصعبة, ستجتازينها يوما.. لن أكون هنا لأذكّرَكِ بهذا, ولأضحك معكِ على بساطة المشاكل التي شكلت لكِ وقتها (الآن) كلّ الدنيا, لكنني أعلم أنكِ ستتذكرينني حتما وقتها, لأن الشمس حين تقوم بدورها, حين توزع ضوئها بالتساوي, لا تنسينا أصدقاء ليلنا الطويل. ستتذكرين صديقا حاول - قدر استطاعته - أن يكون مهتمًا, عن بعد, لأنه على وجهٍ آخر, تسبّب في هذه المشاكل كلها لمجرّد كونه موجودًا.

قد أبدو مثاليًا, حلما كبيرا لم تدركي عنه إلاّ ما زاده أمامكِ بريقا, حتى تضنيكِ مقارنته بغيره من الرجال لاحقا, أفهم. الآخرون يقفون في مثل هذا الموقف ليعلنون, في تواضع, أنهم بشر عاديّون, يصيبون ويخطئون, في لحظات هم وسماء عباقرة, وأحيانا بلهاء أو كالقرود, هل ترين في كلمات كهذه عزاءً؟ لا أظن.

الحبّ لا يوجه قلوبنا قبلةَ الملائكة, وأنتِ تعلمين أني لست منهم, فلا أظن إعادة هذه الحقيقة يساعدكِ على تجاوز أي شيء, لكن ما قد خبرْته وعلمته يقينا, أن القلب ليس عودا من الثقاب, يشتعل لمرّة واحدة, هو فقط في المرّةِ الأولى يأتي مختلفا عن أيّ مرة لاحقة محتملة, ويترك أثره عليها. وهذا الفارق لا يحتاج أن يُنعى إلاّ بكما محدودا من البكاء, حتما سيجف.

لو لهذا أن يصنع فارقا, فأنا فخورٌ بكِ. دعي هذا المساء يأتي بلون تحبينه أنتِ, على مقياس أخلاقيّ تماما لبهجتكِ.

الأربعاء، 9 يناير 2008

نقاهة

ليدخل دورة الحياة, ويتحول -مثلهم- إلى جماد بعد أن يتجرّع القدْر الذي تحتاجه برائته/مثاليّته من صدمات لتُكسَر. لم يعد كسابق عهده بنفسه.

مؤلمٌ جدا هذا الجسر الذي تحتاجه الأحاسيس لتنقلب على أصحابها, مريرٌ جدا مذاق السخرية إذ تصبح أكثر ردود الأفعال لطفا لتضحيات ضلّت طرق مستحقيها.


سأضرب مثلا:

لم أعد أتذكر تفاصيل أحلامي وأوجه أبطالها عندما أصحو عنها, هل لهذا علاقة بما حدث؟ هل يهم هذا الخبر سواي؟

.. لكن هذا يؤلمني, لأنني أهتم بشئون خاصة كهذه, جدا.