الجمعة، 28 ديسمبر 2007

حرية

أعتقد أنه من الأفضل لي, من الآن فصاعدا, أن أحيا على قواعدي وحدي, أن أحتفظ بأحاسيسي الخاصة تجاه من أعتبرهم مذنبين في حقي, بإختلاف ذنوبهم. فليس جيدا -لأجلي- أن أنتقل إلى الجانب الآخر دائما, لألتمس آلاف الأعذار التي تفضي إلى نهايات رماديّة لا تؤلم سواي.

الكثيرون قد أخطأوا بالفعل, يجب أن أعاملهم وفقا ذلك, لا بإعتبارهم ملائكة أو شياطين. لم أقابل في حياتي, ولا أؤمن بوجود من هم على خلق الملائكة أو الشياطين, الجميع بشر, وعلى خلق البشر, فقط.

ولستُ أداة في يد أحد, ليعاملني وفق حالته المزاجيّة, أو وفق ما يعرفه ويخفيه, من يهتم لأمري عليه أن يتعلم كيف يصارحني, وإلا فيسعدني مصارحته بأنه لا يعنيني. وأعني هذا تماما.. لا استأذن أحدا كي أكرهه, أو أنساه, كما لم أفعل حين أحببته. من لا يقدّر لا يستحقْ.

الجمعة، 21 ديسمبر 2007

كما لو كانت أقل الأشياء تستحوذ عليّ

‘‘كيف يمكن قوْل هذا؟!..
دائمًا أشعر أنني غريبة, لأني لا أستطيع المضيّ قدما بهذه البساطة!
يقيم الناس علاقات عابرة, أو حتى علاقات كاملة, ثم ينفصلون وينسون, يواصلون حياتهم كأنما قد غيروا نوع حبوب الذرة التي يتناولونها كل صباح! أشعر أنني لم أستطيع - مطلقا - نسيان أي شخص عرفته لحين, فكل شخص لديه سمات خاصة, لا يمكنك إستبدال أحد, ما فقدتَ لا يمكنك تعويضه.
كل علاقة تنتهي تدمرني حقا, أبدا.. لم تلتئم جراحي تماما, هذا هو سبب حرصي الشديد عند معرفة شخص ما, لأنه.. أمر يؤلم جدا, فسوف أفتقد في هذا الشخص أشياءً إعتياديّة للغاية, كما لو كانت أقلّ الأشياء تستحوذ عليّ.
ربما أنا مجنونة, ولكن.. عندما كنت صغيرة أخبرتني والدتي أنني كنت اتأخر عن المدرسة, وفي يومٍ تبعتني لتعرف سبب تأخري, كنت أنظر إلى الأوراق الساقطة من الأشجار والمنحدرة على الرصيف, أو النمل الذي يعبر الطريق, شكل الظل الذي تلقيه الأوراق على جذوع الأشجار, أشياء صغيرة.. 
أعتقد أنني أفعل نفس الشيء مع البشر, أرى فيهم أشياء صغيرة مميزة لكل منهم, تثير بداخلي شعور ما, وأفتقدها.. أفتقدها دائما, لا يمكنك إستبدال شخص بآخر, لكل واحد عناصر وتفاصيل جميلة تميزه.. ’’
من فيلم
Before Sunset

السبت، 15 ديسمبر 2007

محْضُ بوْح

أغمض عينيك, تخيل الوجود بلون أبيض, بلا أي أبعاد, أو نهايات مرئيّة. أتشعر بالحريّة المطلقة؟ احتفظ بهذا الإحساس, أو تذكره جيدًا, وأكمل..


الآن يبدأ الوجود في التشكّل تدريجيّا, تخيله معي. تتكون مسارات وطرق رماديّة كثيرة, ومتنوعة, بعضها ترى من هنا نهايته المؤسفة, وبعضها ترى نهايته الآمنة, وبعضها تؤدي إلى نهايات متعددة, تتحدد بحسب سلوكك المحتمل وطبيعة تكوينك, فبتباينهما -السلوك والطبيعة- بين البشر, قد يؤدي نفس الطريق إلى نهاية مغايرة.


ولأن الأمر لم يكن أبدا بهذه البساطة, فالطرق الآمنة ضيقة جدا, لا تسع أن يترك عابريها خلفهم أي أثر أو إبداع يميزهم عن سابقيهم ولاحقيهم, وهي وإن كانت صالحة بشكل كبير للبعض, لكنها, وبالنسبة لبعض الطبائع, لا تصلح للمرور أصلا.

في حين أن الطرق الأخرى -ذات النهايات المتعددة- إذا وُفِق المرء إلى طريق يناسبه, وسار خلاله بحرص, فلن يصل إلى نهايته إلاّ وقد أصبح ذو شأن, وإضافة, وأتت النهاية كما يتمنى, تماما.


يأتي فريقيْن من الخبراء ليعرضوا خدماتهم عليك, كلّ يفكر بشكل مختلف.. أتذكر حريتك اللا محدودة؟ قليل من القيود هنا, يجب وضعها لأن ترك الحريّات مطلقة على إتساعها, سيقودها إلى التصادم حتما.

يعرض الفريق الأول عليك دليلا بالطرق الآمنة, والطرق الأقلّ أمانا, والأخرى المتوقفة على طبيعتك وسلوكك, موضحين في الأخيرة طريقة إكتشاف إن كانت تناسبك, لتقودك إلى النهاية المرجوّة. ثم يرفقون دليلا صغيرا بمشاكل الطرق الممنوعة, والأسباب التي دفعتهم لإعتبارها كذلك, تاركين لك حرية الإختيار, إن اخترت أن تسلكها.


أما الفريق الثاني, فلا يحتوي دليله إلاّ على الطرق الآمنة, ويتجاهلون غيرها كطرق محتملة, بل ويقفزون إلى تصنيفها ضمن الطرق الممنوعة, ويضعون أمامها الحواجز, ويروون -ضمن دليلهم- قصصا وروايات عن مآسي من اتخذوا من هذه الطرق سبيلا لهم -دون أن يذكروا شيئا عن إختلاف الطبائع والسلوكيّات, وإعتماد الأمر عليها-, فيحصرون الإختيارات في الطريق الآمن الوحيد, متجاهلين -جهلا أو عمدا- أنكَ, ككلّ إنسان, تمتلك طبيعة مختلفة تماما, عمّن عبروا هذا الطريق أو ذاك. وأنّ هناك من نجحوا أيضا خلال هذه الطرق, وأنهم الأكثر عددا, ربما فعلوا لفرْط حرصهم على سلامتك, أو لعدم ثقتهم بك.


لا مشاكل أبدا في إختلافهم, من طبائع البعض حب الإنقياد, كما يمقت الآخرون المبدأ ذاته, لكن الهدف أن يتفهّم الفريق الثاني أن من الناس من لا يتحمّل ذلك, وأن الكثيرين, الكثيرين ممن ذهبوا إلى الطرق الممنوعة, ذهبوا فقط هربا منهم, لأنهم كرهوا حياة الطرق الآمنة, التي لا تناسب طبيعتهم, وبحسب ما أَخبروهم, كل ما عداها ممنوع.. فما الفارق؟

الخميس، 6 ديسمبر 2007

ذات ليل

أفتقد ليلتها, صوت مشاري يخرج هادئا من مذياع السيارة(سورة يوسف؟), والطرق خالية إلا من أسهم وعلامات تشير إلى اتجاهات بعيدة, لن تذهب إليها(المعادي؟), أعمدة الإنارة حاملة الهالات الصفراء فوقها.. (أشعر بالبرد), في هذه اللحظة أحببت حياتي فعلا, وهذا لا يتكرر معي كثيرا.

.. تعبر السيارة أحد الجسور محتفظة بسرعتها (قال لي يوما أن نصف هذا الجسر ينتمي للقاهرة والآخر للجيزة), نسمة هواء باردة تتسرب لتمنحك رجفة للحظة, إبتسامتك التي لم يلحظها أحد.

(يا ربي.. لو تستمر هذه اللحظات للأبد!)

كوبري 6 أكتوبر, أشعر الآن أني (فوق القاهرة) تماما, تدخل السيارة طريقا خاطئا, لكن جميع الطرق متصلة (بلى, ليست مشكلة), شارع جانبي ثم.. (نعم, أسكن هنا).. تلتقط أوراقك و(شكرا), تشعر برغبة صادقة في الإبتسام, فتفعل..

الاثنين، 3 ديسمبر 2007

عتمة غروب

على يمينه غادرت الشمس إلى نصف الكرة الأرضيّة, الآخر, قبل دقائق.

أعلنت الإذاعة الداخليّة للطائرة, بالصوت الأنثوي الهاديء, عن دخول الطائرة أجواء العاصمة, بعد رحلة استغرقت سبع ساعات, كيف سيبدو كل شيء الآن؟ عتمة ما بعد الغروب ساهمت في إعداده نفسيّا لمعركة الذكريات البعيدة, التي أبقته بعيدا عن بلاده لسنوات, تغيّر فيها كثيرا. 

لا يقفز إلى ذهنه سواها بعد كل هذا العمر. 

متبعا التعليمات, تأكّدَ من ربط حزام الأمان جيدًا, واسترخى في مقعده بعينيْن مغلقتيْن, وبدأَ… كانا قد إتفقا على النسيان حلاً أمثل, لأن الظروف لم تكن مهيأة تماما حينها لإلحاق عقد زواج بأوراق حبهما. الحكاية المكررة ذاتها, الآمال التي لا تكفيها يد بهذا القصر, ولا عمر بهذا الصغر, ولم يكن الحب نفسه -في رأيهما- كافيا للزواج, طالما يفتقد الأمر لمعايير أخرى, أكثر أهميّة, عندهما, منه.

رغم كل هذه القناعات التي صدّق عليها وقتها, فضل الهروب إلى الخارج, لم ينسها ولكن لم يحاول معرفة أخبارها أبدا, حفاظا على عهدهما الأخير, وخوفا من لحظات الضعف التي عرفها جيدا. لكن في لحظة عودة طويلة, طويلة كهذه.. أين يهرب من سرب الأفكار المحلّق حول رأسه كطوق من الأشواك؟

كانت السماء ملبدة بغيوم قاتمة, أحاطت بالمدينة كلها تقريبا, كما لو تودّ إفتراسها مطرا. بدأت المدينة في إضاءة أنوارها, الشوارع والميادين والبيوت, بعد الغروب بقليل, الموعد ذاته, لكنها تبدو الآن في عينيه.. مخيفة! هذه الألوان الصفراء أسفله لا تبشر ذاكرته بخير. 

ترى في أيّ أحياء هذه المدينة المزدحمة تقطن هي الآن؟ في أيّ البنايات يشاركها الناس الأشياء العاديّة كتحيّة الحارس أو ضغط أزرار المصعد ذاتها؟ في أيّ طابق إذن تسكن؟ العاشر أيضا؟ كيف يبدو للناس من الخارج؟ وكيف ترى هي الدنيا خلف نوافذه؟ وهل تحميها تلك النوافذ من قطرات المطر, ذلك الذي تخافه كثيرا؟ هل لا زالت تفعل؟ وهل تزوّجت؟ كيف سيبدو عشّها الأخير, عصفورة الأيّام البعيدة؟

على سلّم النزول, أعاد غلق أزرار معطفه على أسئلته جيّدا, محاولا بعْث المزيد من دفء وهميّ, مضى.. ورفع رأسه قليلا ليصادف اللافتة البيضاء المرحبة بالزائرين ليدخلوها آمنين, شعر برغبة في الإبتسام, لكن الغيوم تمخضت أخيرا عن قطرات من المطر, فنسى الأمر, وأسرع الخطى نحو صالة كبار الزائرين…