الاثنين، 3 ديسمبر 2007

عتمة غروب

على يمينه غادرت الشمس إلى نصف الكرة الأرضيّة, الآخر, قبل دقائق.

أعلنت الإذاعة الداخليّة للطائرة, بالصوت الأنثوي الهاديء, عن دخول الطائرة أجواء العاصمة, بعد رحلة استغرقت سبع ساعات, كيف سيبدو كل شيء الآن؟ عتمة ما بعد الغروب ساهمت في إعداده نفسيّا لمعركة الذكريات البعيدة, التي أبقته بعيدا عن بلاده لسنوات, تغيّر فيها كثيرا. 

لا يقفز إلى ذهنه سواها بعد كل هذا العمر. 

متبعا التعليمات, تأكّدَ من ربط حزام الأمان جيدًا, واسترخى في مقعده بعينيْن مغلقتيْن, وبدأَ… كانا قد إتفقا على النسيان حلاً أمثل, لأن الظروف لم تكن مهيأة تماما حينها لإلحاق عقد زواج بأوراق حبهما. الحكاية المكررة ذاتها, الآمال التي لا تكفيها يد بهذا القصر, ولا عمر بهذا الصغر, ولم يكن الحب نفسه -في رأيهما- كافيا للزواج, طالما يفتقد الأمر لمعايير أخرى, أكثر أهميّة, عندهما, منه.

رغم كل هذه القناعات التي صدّق عليها وقتها, فضل الهروب إلى الخارج, لم ينسها ولكن لم يحاول معرفة أخبارها أبدا, حفاظا على عهدهما الأخير, وخوفا من لحظات الضعف التي عرفها جيدا. لكن في لحظة عودة طويلة, طويلة كهذه.. أين يهرب من سرب الأفكار المحلّق حول رأسه كطوق من الأشواك؟

كانت السماء ملبدة بغيوم قاتمة, أحاطت بالمدينة كلها تقريبا, كما لو تودّ إفتراسها مطرا. بدأت المدينة في إضاءة أنوارها, الشوارع والميادين والبيوت, بعد الغروب بقليل, الموعد ذاته, لكنها تبدو الآن في عينيه.. مخيفة! هذه الألوان الصفراء أسفله لا تبشر ذاكرته بخير. 

ترى في أيّ أحياء هذه المدينة المزدحمة تقطن هي الآن؟ في أيّ البنايات يشاركها الناس الأشياء العاديّة كتحيّة الحارس أو ضغط أزرار المصعد ذاتها؟ في أيّ طابق إذن تسكن؟ العاشر أيضا؟ كيف يبدو للناس من الخارج؟ وكيف ترى هي الدنيا خلف نوافذه؟ وهل تحميها تلك النوافذ من قطرات المطر, ذلك الذي تخافه كثيرا؟ هل لا زالت تفعل؟ وهل تزوّجت؟ كيف سيبدو عشّها الأخير, عصفورة الأيّام البعيدة؟

على سلّم النزول, أعاد غلق أزرار معطفه على أسئلته جيّدا, محاولا بعْث المزيد من دفء وهميّ, مضى.. ورفع رأسه قليلا ليصادف اللافتة البيضاء المرحبة بالزائرين ليدخلوها آمنين, شعر برغبة في الإبتسام, لكن الغيوم تمخضت أخيرا عن قطرات من المطر, فنسى الأمر, وأسرع الخطى نحو صالة كبار الزائرين…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق