السبت، 15 ديسمبر 2007

محْضُ بوْح

أغمض عينيك, تخيل الوجود بلون أبيض, بلا أي أبعاد, أو نهايات مرئيّة. أتشعر بالحريّة المطلقة؟ احتفظ بهذا الإحساس, أو تذكره جيدًا, وأكمل..


الآن يبدأ الوجود في التشكّل تدريجيّا, تخيله معي. تتكون مسارات وطرق رماديّة كثيرة, ومتنوعة, بعضها ترى من هنا نهايته المؤسفة, وبعضها ترى نهايته الآمنة, وبعضها تؤدي إلى نهايات متعددة, تتحدد بحسب سلوكك المحتمل وطبيعة تكوينك, فبتباينهما -السلوك والطبيعة- بين البشر, قد يؤدي نفس الطريق إلى نهاية مغايرة.


ولأن الأمر لم يكن أبدا بهذه البساطة, فالطرق الآمنة ضيقة جدا, لا تسع أن يترك عابريها خلفهم أي أثر أو إبداع يميزهم عن سابقيهم ولاحقيهم, وهي وإن كانت صالحة بشكل كبير للبعض, لكنها, وبالنسبة لبعض الطبائع, لا تصلح للمرور أصلا.

في حين أن الطرق الأخرى -ذات النهايات المتعددة- إذا وُفِق المرء إلى طريق يناسبه, وسار خلاله بحرص, فلن يصل إلى نهايته إلاّ وقد أصبح ذو شأن, وإضافة, وأتت النهاية كما يتمنى, تماما.


يأتي فريقيْن من الخبراء ليعرضوا خدماتهم عليك, كلّ يفكر بشكل مختلف.. أتذكر حريتك اللا محدودة؟ قليل من القيود هنا, يجب وضعها لأن ترك الحريّات مطلقة على إتساعها, سيقودها إلى التصادم حتما.

يعرض الفريق الأول عليك دليلا بالطرق الآمنة, والطرق الأقلّ أمانا, والأخرى المتوقفة على طبيعتك وسلوكك, موضحين في الأخيرة طريقة إكتشاف إن كانت تناسبك, لتقودك إلى النهاية المرجوّة. ثم يرفقون دليلا صغيرا بمشاكل الطرق الممنوعة, والأسباب التي دفعتهم لإعتبارها كذلك, تاركين لك حرية الإختيار, إن اخترت أن تسلكها.


أما الفريق الثاني, فلا يحتوي دليله إلاّ على الطرق الآمنة, ويتجاهلون غيرها كطرق محتملة, بل ويقفزون إلى تصنيفها ضمن الطرق الممنوعة, ويضعون أمامها الحواجز, ويروون -ضمن دليلهم- قصصا وروايات عن مآسي من اتخذوا من هذه الطرق سبيلا لهم -دون أن يذكروا شيئا عن إختلاف الطبائع والسلوكيّات, وإعتماد الأمر عليها-, فيحصرون الإختيارات في الطريق الآمن الوحيد, متجاهلين -جهلا أو عمدا- أنكَ, ككلّ إنسان, تمتلك طبيعة مختلفة تماما, عمّن عبروا هذا الطريق أو ذاك. وأنّ هناك من نجحوا أيضا خلال هذه الطرق, وأنهم الأكثر عددا, ربما فعلوا لفرْط حرصهم على سلامتك, أو لعدم ثقتهم بك.


لا مشاكل أبدا في إختلافهم, من طبائع البعض حب الإنقياد, كما يمقت الآخرون المبدأ ذاته, لكن الهدف أن يتفهّم الفريق الثاني أن من الناس من لا يتحمّل ذلك, وأن الكثيرين, الكثيرين ممن ذهبوا إلى الطرق الممنوعة, ذهبوا فقط هربا منهم, لأنهم كرهوا حياة الطرق الآمنة, التي لا تناسب طبيعتهم, وبحسب ما أَخبروهم, كل ما عداها ممنوع.. فما الفارق؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق